الاقتصاد الأميركي المتصاعد نمواً، وانخفاض معدلات البطالة، وانتعاش أسواق المال والوظائف..جميعها أمور كانت رهانات دونالد ترامب، لكسب جولة ثانية ضد خصومه «الديمقراطيين» في الانتخابات الرئاسية، نهاية هذا العام، قبل أن يتفشى «كوفيد-19» في الولايات المتحدة، وتقع إدارته في أخطاء وارتباكات بالجملة، وتعجز عن كسر سلسلة الانتشار المتسارع للوباء.
جائحة كورونا، أطاحت رهانات ترامب، كما يبدو، وما كان مجرد «فيروس، سينتهي كمعجزة»، على حدِّ تعبيره، قبل أسبوعين، أصبح يحتاج إلى كثير من المعجزات والقرارات الصعبة، في مسعاه للعودة إلى البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، يحكمها المجهول نفسه، الذي يكتنف مسارات الرعب من هلاك مئات الألوف من البشر في أميركا والعالم، حتى مع ما قد يفرضه الفيروس من هدنة في الحرب التجارية مع الصين، والتنافس مع القارة العجوز.
الرهانات القديمة تتبدَّد، وما جناه ترامب اقتصادياً من فترتين متعاقبتين لباراك أوباما، يفتك به الفيروس، وقد اضطرت إدارته إلى حزمة تحفيزات مالية، غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، ليس في حجمها، البالغ تريليوني دولار، فقط، بل في مضامينها المزعجة جداً لـ«الجمهوريين»، وحلفائهم في الشركات الرأسمالية، التي تلقت كثيراً من الهدايا في مطالع عهد ترامب، ليس أقلها خفض الضرائب على عوائدها الضخمة.
الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، يزيد على 20 تريليون دولار، ويستطيع احتمال كلفة التحفيز الاضطرارية، لكنّ الأهم أنها جاءت على هيئة «مساعدات اقتصادية»، وأن جزءاً ليس يسيراً منها، سيذهب إلى الدعم الاجتماعي المباشر، والرعاية الصحية، كما لو أنّ المرشح «الديمقراطي» المحتمل للانتخابات بيرني ساندرز، في المكتب البيضاوي، وليس ترامب، الذي كان يعتزم إنهاء الإغلاقات في إجازة عيد الفصح، لتقليل خسائر الاقتصاد، متجاهلاً ما يحصده الفيروس من أرواح وإصابات.
هذه أميركا، الرئيس لا يقرر وحده، والدولة أكثر عمقاً واحتمالاً للزلازل، مهما بلغت شدتها، تريليونا دولار، بمشيئة الكونجرس، 500 مليار دولار مدفوعات مباشرة للعائلات الأميركية، 350 ملياراً قروضاً للشركات الصغيرة، 250 ملياراً لتوسيع نطاق مساعدات البطالة، أكثر من 100 مليار للنظام الصحي، ودعم المستشفيات، في بلاد، لا يزال التأمين الصحي فيها سلعة خاضعةً لمنطق السوق، ومن المتوقع أن يصل عدد الأميركيين غير المشمولين بمظلته إلى 24 مليوناً في 2026، ما لم يلقن كورونا الولايات المتحدة درساً جديداً، ويحثها على استيراد التجربة الاسكندنافية، أو ما يشبهها.
ذلك، والنظام الصحي الأميركي يعاني من صدوع واسعة، تحت ضربات كورونا الآن، إلى الحد الذي أجبر ترامب على اللجوء لقانون الدفاع الإنتاجي، لوضع الشركات في خدمة المجتمع عند الطوارئ، وهذه مساحة لم يكن ممكناً الاقتراب منها بهذه الحدة، بالنسبة للجمهوريين، لولا انكشاف أخطاء الماضي في هذه الجائحة، ترامب يُجبر شركة «جنرال موتوز» على تصنيع 100 ألف وحدة للتنفس الصناعي في 100 يوم، وهو نفسه ينتقد «تهالك» النظام الصحي في أميركا!
وإذا كان من غير المرجح، أن يفضل الناخبون «الديمقراطيون» بيرني ساندرز على منافسه جو بايدن في انتخابات الحزب الداخلية، إلا أن نموذج «الديمقراطية الاجتماعية» في بعدها الاشتراكي، الذي ينادي به الأول، قد يجد مزيداً من الإصغاء، في حقبة ما بعد انحسار«كوفيد- 19»، بغض النظر عن القادم إلى سدة الرئاسة، هذا الإصغاء لا يعني بالضرورة محاكاةً لتجارب أوروبية في أدوار اجتماعية مباشرة للدولة، بقدر ما سيشكل تجاوباً مع الاحتياجات الأساسية لصغار دافعي الضرائب، وتكيفاً مع عالم أقلّ عولمة.
*صحفي أردني